تساؤلات متى أصبح مُبرمج و ما هي مُتلازمة امبوستر


إن من أكثر الأسئلة التي تأتيني من الأشخاص في بدايات مشوارهم لتعلّم البرمجة أو مسارهم الوظيفي و العمل الحر كمبرمج هو : متى أبدأ؟ متى أصبح مُبرمج؟ و كذلك الأشخاص الذين يملكون الخبرة و المعرفة و لكنهم لا يعترفون بها و يشكّكون في مستوياتهم و أنفسهم، و أود أن أقول بأن الكثير منهم بعد خوض محادثة مطوّلة أجدهم جاهزين للبدء، و بأنهم مُبرمجين فعليًا، و لكنهم لا يدركون ذلك و غير واثقين، و يعود السبب لتسارع تطور التقنيات في عصرنا هذا، و بذلك يجدون أنفسهم غير مُلمّين بجوانب هذا العالم، و في هذه التدوينة سأركّز على النقاط المهمة لتعرّف الشخص بنفسه هل هو جاهز و هل هو مُبرمج أم لا! بالإضافة إلى إن كان مُصاب بمتلازمة المحتال و طُرق تجاوزها!
متى أصبح مُبرمج!
في البداية لأضع تعريفًا مُبسّطًا للمبرمج و هو الشخص القادر على حل مشكلة ما من خلال البرمجة، و من هُنا أرغب منك أن تطرح عدّة أسئلة و أودّ منك أن تجيبها على نفسك :
هل تعلّمت أساسيات المطلوبة للبدء في مسار الذي حدّدته؟
لنأخذ مثال على مسار تطوير تطبيقات الويب، فهناك أساسيات تتعلّمها و هي HTML - CSS - JS و لغة لـ Back-end سواءً PHP أو C# أو أيّ لغة أخرى، عند تعلّمك إيّاها و عمل عدة مشاريع بسيطة أستطيع أن أقول لك بأنك تستطيع البدء، فالمكتبات و الأطر التي تتعلمها تحتاجها بعد ذلك هي لتحديد الوجهة التي ستستمر فيها، و هي أمور متغيرة، فمثلما كانت JQuery في يوم من الأيام لا يكاد موقع ويب إلّا يستخدمها و الآن قد تراجع استخدامها، فبقية المكتبات و الأطر كذلك، و إمّا ما صنّفته كأساسيات فهي تقنيات صعب إستبدالها لذلك تُعتبر من الأساسيات، و معرفتك بها كافية لئن تبدأ.
هل أستطيع كتابة حل لمشكلة برمجية تُواجهني؟
في البداية أود أن أخبرك بأن سؤالي هنا ليس المقصود به بأنّك هل أنت قادر على حل كل المشاكل، بل المشاكل التي قد واجهتك، فلو أستطعت حل مشكلة واحدة في السابق من خلال البرمجة فأستطيع أن أقول لك بأنّك مُبرمج، و ليس المقصود بأنّك تستطيع حل كل مشكلة أو المشاكل المُعقّدة، فتلك تحتاج لخبرات و الخبرات تأتي مع السنوات و الوقوع في المحك بإستمرار.
هل أستطيع كتابة كود؟
هذه المرحلة هي المرحلة أستطيع أن أقول بأنّها المرحلة الأولى في بداية كل شخص أصبح مُبرمج، و هو أن يكتب كود يعمل و لا يهم التفاصيل الدقيقة فيه، و تستطيع أن تبدأ من هنا، بل إن إستمرارك للتعلّم دون وضع نفسك في محك و الخروج من المنطقة الأمان بالنسبة لك، ستجعلك تختبئ لسنوات دون أن تدرك بأنك أصبحت مُبرمج، و كذلك عندما تضع نفسك في محك فإن معلومات و المعرفة اللازمة و المطلوبة منك ستكتسبها بشكل أسرع!
لا يهم موضوع النسيان، عليك أن تفهم لا أن تحفظ
لا تدع نقطة إنك نسيت دالة أو خاصية ما كيف تستدعيها أو تستخدمها أو حتى اسمها أن تشكّك في نفسك كمُبرمج، و في تعلّمك، فكل المُبرمجين مهما تقادمت خبراتهم أو قلّت ينسون و لكنهم يستذكرون، كل ما عليك فعله حين تنسى خاصية ما و تود استخدامها هو البحث عنها، فالوثائق و المحركات البحث هم صديقين جيدين لأيّ مُبرمج، و لا بأس بصديق ثالث كـ ChatGPT، فهو مساعد جيد أيضًا، و ملاحظة أخرى أود أن أنوّه عليها، و هي بخصوص الدروس المرئية في الإنترنت، فالأشخاص الذين يصوّرون فيديوهات لا يحفظون كما يتصور المشاهد، كل ما في الأمر إنهم يعدّون الدرس قبل تصويره و مراجعته، لذلك نجدهم يكتبون الأكواد كما لو إنهم يحفظونها عن ظهر غيب، و في حقيقة الأمر هو إعداد جيد و مراجعة لما يُقدّمه لا أكثر و لا أقل.
مُتلازمة المحتال ( Imposter syndrome )
زعزعة الثقة بالنفس، الشك فيما نفعله، تقليل إنجازات الذات، و الخبرة التي نملكها، شعور بأننا مُخادعين و بأننا نُوهم الآخرين بمهارات و إمكانيات نملكها، هذه المرحلة يُصاب بها المُبرمج في مرحلة ما من حياته، خصوصًا بأنّه في بدايته يظن بأنّه يعلم و يعرف كل شيء لأنه تعلّم و طبّق، و لكن مع إكتساب الخبرات و التعمّق أكثر في مجاله يكتشف بأنّه يجهل الكثير و ليس كما يظن، حينئذ يتسلّل الشك لنفسه، و يبدأ بمهاجمة نفسه و التقليل من ذاته، و إنكار خبراته و ما حققه من إنجازات، و لكن كل ذلك غير صحيح، و لتفادي تفاقم المشكلة و طول المدة الزمنية التي يقضيها مع شعوره هذا، ليسأل نفسه الأسئلة السابقة التي طرحتها، بالإضافة إلى هذه الأسئلة :
هل أنا في نفس المكان الذي بدأت به؟
بالطبع أنت لست في مكانك الذي بدأت به قبل سنة أو عشرة سنوات، ستجد نفسك قد تعلّمت أكثر، و تطورت أكثر، و اكتسبت خبرات جديدة، و تلك حصيلتك و ليست أوهام كما تُشعرك مُتلازمة المُحتال!
هل معرفتي زادت؟
تعلّمك لأشياء بسيطة يندرج ضمن زيادة المعرفة، ليس عليك أن تتعلّم مجال كامل جديد من أجل أن تجيب على نفسك، بل تعلّمك لكتابة حلول برمجية أفضل أو مكتبة واحدة كفيل بذلك.
هل أنا أحقق إنجازات؟
ليس عليك أن تحقّق إنجازات كبيرة أو معقّدة لتعتبرها إنجازات، فوضعك لحل مشكلة و لو كانت بسيطة يعتبر إنجاز، و ما دمت مستمر فأنت تستحق ما نلته!
هل هُناك أثر لما أفعله؟
بالطبع عندما تسأل نفسك هذا السؤال ستجد الجواب، بأنّ عملك له أثر سواءً كان أثر مُباشر أو غير مُباشر، و لا يجب أن يكون أثر كبير حتى تعترف به، فكل شيء له أثر هو أثر، جواب لسؤال ما، حل لمشكلة ما، إلى آخره من الأفعال التي خزّنتها، و هو ما ستدركه حينما تُجيب على نفسك!
لا تُقارن إنجازاتك بإنجازات الآخرين
إذ إن من الأخطاء الشائعة هو مقارنة الشخص نفسه مع شخص آخر، و عندما يرى الفرق بينه و بين الآخرين يبدأ يشك و يقلّل من نفسه، إذ عليك أن تُقارن نفسك بنفسك بالأمس، و التركيز على ذلك و ليس على مقارنتك بالآخرين، فهناك ظروف مُختلفة و بيئة مُختلفة، و كذلك الفروقات الفردية بينك و بين أيّ شخص آخر، و لا يعني ذلك بأنّك فاشل أو مُخادع، بل هي إختلافات تُوجد لا أكثر و لا أقل.
في الختام
عليك أن تدرك يا صديقي المُبرمج بأن البداية بسيطة و ليس كما تتصور، قد تفشل في بدايتك و لكن فشلك سيعلّمك أكثر من إعدادك لنفسك بشكل مُبالغ، بل إن محطّات الفشل تكسبك المعرفة أكثر، كما إن عليك أن تُدرك بأن متلازمة المُحتال تُصيب الأشخاص الذين يملكون إنجازات عظيمة و كبيرة أيضًا، و ليس فقط ممكن يملكون إنجازات أقل، و تجاوز مرحلة هذه ليس بالأمر الصعب، فقط تحتاج أن تُجيب على تساؤلاتك بالمنطق و العقل.